رونالدينو يتحالف مع إسرائيل ويهدي أطفالها أقمصة موقعة ضد "الإرهاب الفلسطيني"
مارادونا قاوم الهيمنة الأمريكية وعلي كلاي سقط في الفخ ورونالدو كان حذرا وزيدان رفض أن يكون أنانيا دكتاتوريون كثيرون وظفوا الرياضة، وكرة القدم خصوصا، من أجل تلميع صورتهم وصورة أنظمتهم. لكن ما تفعله إسرائيل هذه الأيام كان خارج إطار التخيل، ذلك أنها استدعت اللاعب الداهية رونالدينو لكي يصف الفلسطينيين بالإرهاب، ويؤازر أطفال إسرائيل "المساكين".
ومنذ سنوات طويلة صارت حكومة تل أبيب تسعى إلى تلميع صورتها بواسطة الرياضة، وخصوصا عن طريق كرة القدم. والكثيرون يتذكرون كيف استطاعت أن تغري في وقت من الأوقات الملاكم الأمريكي الشهير محمد علي كلاي لكي يزورها ويلتقي بأطفالها، تحت الحجة نفسها التي تتعذر بها اليوم، وهي لقاء الأطفال الإسرائيليين من ضحايا "الإرهاب الفلسطيني".
والغريب أن كلاي، ومع أنه كان وقتها قد أعلن إسلامه، إلا أن ذلك لم يمنعه من زيارة إسرائيل تحت ضغوط اللوبي الصهيوني القوية.
واليوم استطاعت إسرائيل أيضا أن تغري النجم البرازيلي في صفوف فريق برشلونة رونالدينو كي يقدم هدايا للأطفال الإسرائيليين ضحايا "الإرهاب" الفلسطيني، وبذلك يعطي الدليل على أن الموهبة والغباء يمكن أن يجتمعا في إنسان واحد، الموهبة في القدمين، والغباء في المخ. هذا هو رونالدينو الذي يعبد المال، حتى لو كان ملطخا بدماء آلاف الأطفال والأبرياء الفلسطينيين. ما سيقوم به رونالدينو هو في حقيقة الأمر سابقة سيئة في عالم كرة القدم. صحيح أن إسرائيل جربت هذه المسألة كثيرا في الماضي، غير أنها اليوم تستغل واحدا من أبرز لاعبي الكرة في العالم وأكثرهم شعبية، بل والحائز على جائزة أفضل لاعب لعدة سنوات، لكي تقول للعالم إن أطفال إسرائيل مساكين وضحايا للفلسطينيين "الإرهابيين" الذين لا توجد في قلوبهم رحمة. لقد كان فريق البارصا الإسباني واحدا من أكثر الفرق تميزا في العالم وفي إسبانيا. فمدينة برشلونة قاومت كثيرا النزعات الفاشية واليمينية المتطرفة وكانت آخر مدينة تقع في قبضة الجنرال الراحل فرانسيسكو فرانكو عقب حرب ضارية بين الجمهوريين اليساريين وبين اليمينيين من العسكر وأنصارهم. ومنذ نهاية الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1939، ظلت مدينة برشلونة رمزا ضد الفاشية والعنصرية. بل إن جمهور البارصا كان دوما مناهضا لإسرائيل، وكان أحيانا يرفع في الملاعب الأعلام الفلسطينية. غير أن رونالدينو قلب الآية وحول فريق البارصا إلى مجرد مقاولة لاإنسانية بعد أن قرر توقيع مئات الكرات والقمصان وإهداءها لجمعية إسرائيلية عنصرية تدعى "جمعية أسرة" تقول إنها تناهض "الإرهاب" الفلسطيني الذي شتت أسر إسرائيليين، في وقت لا يلتفت أحد إلى مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين شردتهم دولة إسرائيل ويتّمتهم وحولت حياتهم إلى جحيم حقيقي في الليل والنهار.
لقد كان اللاعب رونالدو أكثر ذكاء من رونالدينو حين استدعته حكومة إسرائيل يوما لكي يزورها فأصر على أنه لا بد أن يزور الأراضي الفلسطينية ويلتقي بالأطفال الفلسطينيين كما يلتقي بأطفال إسرائيل. وهكذا استطاع رونالدو وقتها الخروج من عنق الزجاجة وأمسك بالعصا من الوسط ووجد معجبيه يحيطون من حوله من الطرفين، سواء من سكان فلسطين الحقيقيين، أو من المهاجرين الإسرائيليين الذين أتوا من كل مكان لاحتلال الأرض بالقوة. هناك رياضيون ولاعبون أغبياء مثل رونالدينو يمكن أن ينساقوا بسهولة مع الظلم والجبروت ويقفوا في صفه ويساندونه. وهناك رياضيون ولاعبون آخرون أكثر ذكاء بكثير من رونالدينو ويفضلون الموت على أن يرتكبوا حماقة في حياتهم.
لقد عانى مارادونا من كل شيء تقريبا حتى الآن ورفض أن يحني هامته للأمريكيين. فقد كان مريضا على حافة الموت ورفض أن يعتذر للأمريكيين لكي يسمحوا له بدخول الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج في مستشفياتها. وهكذا فضل هذا اللاعب الشهم الذهاب إلى كوبا والعلاج في مستشفياتها المتواضعة عوض أن يضيع كرامته. ولاعب التنس السويدي الشهير بيورن بورغ الذي فاز ست مرات متتالية ببطولة ويمبلدون فضل بيع تذكاراته ومضاربه وأجهزته الرياضية حين اشتدت به الأزمة المالية ولم يفكر في بيع نفسه. وهناك لاعبون يحسبون خطواتهم جيدا حينما يريدون القيام بأعمال إنسانية. فاللاعب الفرنسي من أصل جزائري زين الدين زيدان لا يحب القيام بتصرفات استعراضية على الرغم من الإعجاب الكبير الذي يقابل به في كل مكان من العالم. ورغم ذلك فإنه قرر الذهاب إلى الجزائر لمساندة الأطفال الجزائريين من ضحايا الحرب الأهلية التي طحنت البلاد منذ بداية التسعينات وخلفت أزيد من 200 ألف قتيل. لقد ذهب زيدان إلى الجزائر مع أنه ابن "حركي" ممنوع من دخول الجزائر. والحركيون هم الذين كانوا يتعاونون مع سلطات الاحتلال الفرنسي للبلاد، وعندما جاء الاستقلال اضطروا للهجرة النهائية نحو فرنسا وأصبحوا ممنوعين من العودة إلى الآن. ومع ذلك فإن زيدان رفض أن يكون أنانيا وزار بلاده التي لم يولد فيها ولم يعرفها يوما. أما اللاعب الفذ جورج ويّا فإنه فكر في طريقة مختلفة تماما وقرر أن يترشح لرئاسة بلاده بعد أن اعتزل الكرة. وقبل أن يترشح ويخسر فإنه فعل الكثير من أجل ليبيريا التي كانت تطحنها الحرب الأهلية. الرياضة عموما كانت وستظل قائمة من أجل الأهداف النبيلة، واللاعب الذكي والموهوب هو الذي لا يسقط في أحابيل دولة قاتلة وعنصرية مثل إسرائيل. قبل بضعة أسابيع كان اللاعب الكامروني صامويل إيتو يحاول الانسحاب من الملعب خلال مباراة في البطولة الإسبانية لأن الجمهور كان يقلد صوت القردة كلما أمسك اللاعب بالكرة. يومها تعاطف الكثيرون وما يزالون يتعاطفون مع إيتو وغيره ضد العنصرية المقيتة في كرة القدم. واليوم يحاول رونالدينو، الذي يتضامن كثيرا مع زميله إيتو ضد العنصرية، أن يمارس عنصرية أكثر قسوة. إنه يتضامن مع إسرائيل التي تعتبر دولة عنصرية حسب المواثيق الدولية وأعراف الأمم المتحدة. هذا هو الحمق بعينه. لو احتاج أطفال فلسطين إلى لاعبين يتضامنون معهم ضد الإرهاب الإسرائيلي فإنهم بالتأكيد سيحتاجون إلى لاعبي كرة القدم في العالم كله.
وربما سيكون من الضروري البحث إن كان هناك لاعبون آخرون في كواكب أخرى.