خـــُلــق العفة في الإسلام

لا يخفى على كل إنسان أن فتنة سوء الأخلاق المتعلقة بالجنس المحرم، هي من أخطر الفتن التي يتعرض لها المسلم، بل هي أشد الفتن على الإطلاق، كما ورد في كثير من النصوص الشرعية (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) رواه البخاري· وفي بداية القرن الواحد والعشرين، اشتد ضغط هذه الفتنة، وانتشر في الآفاق شرها، حتى عبثت بقلوب وعقول الناس، ولم تزل تفتك بغيرة الشباب، حتى ضيّعت عليهم دينهم، وهدمت صحتهم، وتركتهم حيارى في الحياة، بسب السماوات المفتوحة، والنت والاتصالات المتدفقة وغياب التشريع الإسلامي في بعض الميادين، والجهل بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلا عن معوقات الزواج الشرعي· وما يجري في المجتمعات الغربية ليس يخفى عن أحد، والذي جاءت كثير من وثائق الأمم المتحدة لترسيخه وتعميمه على باقي المجتمعات، آخرها، هذا الأسبوع، وثيقة القضاء على التمييز ضد الطفلة الأنثى· ومن رحمة الله بالعباد، أن دلهم على ما يحفظهم من شرور فتنة الفساد الجنسي المحرم، وبيّن لهم سبل الوقاية والعلاج قال تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)، وهو ما يعرف باسم ''خلق العفة'' وهو من أسمى الأخلاق وأكرمها وأحبها إلى الله تعالى، وهو من صفات عباد الله الصالحين· ومفهوم العفة، هو الكف عن محارم الله كافة وسؤال الناس· وقد جاء لفظ الاستعفاف في القرآن الكريم، وأريد به طلب العفة عن أسباب الفساد والبعد عن الزنا والفتنة الجنسية المحرمة· فالعفة هي حصول حالة للنفس في الامتناع والترفع عما لا يحل أو لا يجمل من شهوات البطن والجنس· والتعفف أي تكلف العفة بما يحفز على كسب وسائل العيش وفضائل الحياة، بطرقها المشروعة، وأساليبها النبيلة· في حين الفقرة 115 من الوثيقة المشار إليها، تنص على حق الطفلة (أقل من 18سنة) في تحديد متى وكيف تصبح ''ناشطة جنسيا''· وليس المراد بالعفة، حرمان النفس من أشواقها ورغباتها المشروعة كالجنس، وإنما الغرض منها، هو القصد والاعتدال في تعاطيها وممارستها بالحلال عن طريق الزواج الشرعي· أما وثيقة العار فقد أوصت في الفقرات 27،82،124 ، 130 بضرورة توفير ''معلومات الصحة الجنسية للطفلة من أجل ''ممارسة الجنس الأمن''، أي الاحتياطات من الحمل غير المرغوب فيه· والأعجب من ذلك تكرار في التقرير ( 11مرة) أن ''الزواج المبكر عنف ضد الفتاة''· والعفة أنواع كثيرة، منها: عفة الجوارح، قال تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) النور .33 عفة الجسد، قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما) الأحزاب .59 عفة اللسان، قال تعالى: (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) الحج24 · وإذا التزم المسلم بعفته وطهارته فإن له الأجر والثواب عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) متفق عليه· ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه فيقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) مسلم· وقال صلى الله عليه وسلم: (عفوا عن النساء تعف نساؤكم) الطبراني والحاكم· أما الوثيقة ففي الفقرة 49 اعتبرت أن الدين يقيّد من فرص المساواة ويزيد من العنف· ويمكن التذكير بفوائد العفة على الفرد، الأسرة، والمجتمع في النقاط التالية:
؟ النجاة من الفواحش وأضرارها، والعقوبات الربانية والأضرار الاجتماعية والنفسية والمرضية والخلقية·
؟ طهارة الفرد ونقاء المجتمع·
؟ الحصول على الأجر ومضاعفة الثواب، ومرتبة ''في ظل الله''·
؟ العفة كرامة في الدنيا ونجاة من النار·
؟ الاستعفاف برهان على الصبر وقوة الإرادة·
؟ العفة صون للأسرة·
وحين ندعو شبابنا للعفة ومقاومة الانحراف الخلقي، لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وأمهات وولاة أمور ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته''· بل الواجب على الجميع تيسير أسباب العفة، بغرس الإيمان في القلوب بحسن التربية والتنشئة وسد ذرائع الشهوة وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيب أو الاندفاع، مع فتح باب المصارحة والحوار مع الأبناء لإيجاد أيسر الحلول· ويمكن ذكر جملة من العوامل المساعدة في تحقيق العفة:
- تحقيق الإيمان الذي ينمّي الضمير في نفس المؤمن فيستحضر الخوف والحياء ويذكر الآخرة·
- التربية الروحية: بدوام الصلة بالله تعالى من ذكر ودعاء وقراءة للقرآن الكريم·
- تربية النفس بالعبادات والنوافل، كالصوم وغيره، فهي مما يعين على زكاة القلب وطهارة النفس·
- توعية الشباب بتعزيز المنافع والمصالح التي تنشئ العفة والتزام أمر الله عز وجل في الحياة اليومية·
- بيان الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والعقلية والروحية لكل انحراف أو فساد خلقي، عكس ما جاء في الوثيقة في الفقرة·
(96) التأكيد على الحفاظ على حقوق الشواذ وما أسمته بـ''حق الهوية الجنسية للفتيات''·
- تسهيل وتشجيع الزواج، والتفكير في حلول جديدة بعيدا عن التقاليد والأنماط المكبلة عن تحقيق المقاصد الشرعية للزواج، والتنبيه لمخاطر تهديد الأسرة، مثل ما ورد في الوثيقة50 من أن (القوامة) تجعل النساء والفتيات ''ذليلات تابعات للرجال''·
- التوسع على النفس وأخذ المباح، فالنفس بطبيعتها مجبولة على ما أودع الله فيها من فطرة، فتصريفها فيما أحل الله باب عظيم لسد أسباب الشر، وغلق باب الفتنة·
-البعد عن أسباب وفضاءات الحرام، بتجنب أنواع السيئات وألوان وصور الموبقات·
- التربية الفكرية بغرس المفاهيم والموازين الشرعية ذات العلاقة بالاستعفاف·
- التعرّف على دور المفسدين وأعداء الإسلام في نخر المجتمع المسلم، وتفكيك روابطه·
- توفير الفضاءات العفيفة المناسبة والمتطورة للشباب والشابات بما يملأ الفراغ، وينمي الفكر والعقل، ويضمن الراحة·
؟ الحرص على التشريع المناسب، الذي يحفظ أحكام الشريعة الإسلامية والأعراف النبيلة والتقاليد الصالحة، والحذر من كل مخالفة، فقد أكد التقرير في الفقرات 156 ,154 على وجوب تفعيل وتطبيق اتفاقية السيداو (اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة) تطبيقا كاملا بلا إبطاء، (والمتحفّظ على بعض بنودها من أغلب الدول الإسلامية لتعارضها مع الشريعة الإسلامية)· إننا حين نتحدث عن العفة لا نتحدث عن أمر معجز يستحيل الحصول عليه، وإنما مطلب واقعي ممكن، يحتاج إلى جهد وتربية· وقد قص علينا القرآن قصة من قصص الشباب مع الشهوة ليتخذ شبابنا منها قدوة وأسوة ودرسا عمليا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرّف على الأسباب المعينة على الخلاص من ورطتها، إنها قصة يوسف عليه السلام· وإذا كانت العفة مطلبا شرعيا واجتماعيا، صيانة للدين وحفاظا على المجتمع، بحفظ أهم طبقة فيه، وهم الشباب، فلا يخفى ضرورة التنبيه إلى خطورة عولمة النمط الثقافي والاجتماعي الغربي، بما فيه من إباحية جنسية، وهدم للمنظومة الأخلاقية، ومغايرة للمفاهيم الإسلامية، بتكاتف وتعاون كل الجهود الوطنية، الرسمية والدينية والإعلامية والمجتمع المدني، كل حسب ميدانه·

مشكور يا أخي فلا يقدم الممتاز الا المتميز

واصل تميزك

مزيدا من التألق

مشكور يا أخي على الموضوع المميز

رافقتك السلامة